445

من المؤرخين ومن فلاسفة التاريخ. ويظهر ذلك بوضوح في مقدمته التي فلسف فيها التاريخ ودرس فيها المجتمعات البشــرية دراســة علمية، واهتم بالعمران البشري والحضر، وبالعصبية العنصرية والقبلية، وما إلى ذلك من موضوعات متعددة يضيق حصرها هنا.  وما يهمنا من مقدمته والفصل الأول من الكتاب الأول : الخاص بالعمران البشري، ودراسة الأقاليم الجغرافية وتأثيرها في حياة الإنسان، إذ يذكر في المقدمة الثانية من هذا الفصل الأول الأقاليم الســبعة ومظاهرها وحدودها، ويذكر في المقدمة الثالثة: «أن المعمورة من هذا المنكشف من الأرض إنما هي وسطه لإفراط الحر في الجنوب منه والبرد في الشمال ... فانه اذا كانت العلوم و الصنائع والمباني والملابس والأقوات والفواكه بل والحيوانات وجميع ما يتكون في هذا الأقاليم الثلاثة المتوســط (الثالث والرابع والخامس ) مخصوصة بالاعتدال وسكانها من البشر أعدل أجسامة وألوانا و أخلاقة وأديانا - حتى النبوات فإنما توجد في الأكثر فيها ، ولم نقف على خبر بعثة في الأقاليم الجنوبية ولا الشمالية و ذلك أن الأنبياء والرسل إنما يختص بهم أكمل النوع في خلقهم و أخلاقهم ... وأما الأقاليم البعيدة من الاعتدال مثل الأول والثاني والسادس والسابع فأهلها أبعد عن الاعتدال في جميع أحوالهم فبناؤهم بالطين والقصب وأقرانهم من الذرة والعشــب وملابسهم من أوراق الشجر يخصفونها عليهم أو الجلود . وأكثرهم عرايــا من اللبــاس ... وأخلاقهم مع ذلك قريبة من خلق الحيوانات العجم حتى ينقل عن الكثير من السودان أهل الإقليم الأول أنهم يسكنون الكهوف والغياض ويأكلون العشــب وأنهم متوحشون غير مستأنسين يأكل بعضهم بعضا وكذلك الصقالبة ... » ويفســر اختلاف أهل اليمن وحضرموت والاحقاف وبلاد الحجاز واليمامة وما إليها من جزيرة العرب في الإقليم الأول والثاني عن باقي مــكان هاذين الإقليمين بإحاطة البحــار الجزيرة العرب من جهات ثلاث مما «أثر في رطوبة هو أنها فنقص ذلك اليبــس والانحراف الــذي يقتضيه الحر، وصار فيها بعض الاعتدال بسبب رطوبة البحر.... » ويسخر من الآراء التي تنادي بتفسير سواد بشرة السودان (يقصد السود) بانتسابهم إلى حام بن نوح الذي دعا عليه أبوه فظهر أثر دعوته في لونه وفيما جعل الله من الرق في عقبه - ويرى في القول بنسبه السواد إلــى حام « غفلة عن طبيعة الحر والبرد وأثرهما في الهواء ... ذلك أن هذا اللون شمل أهل الإقليم الأول والثاني من مزاج هوائهم للحرارة المتضاعفة بالجنوب . فإن الشمس تســامت رؤوسهم مرتين في كل سنة - قريبة أحدهما من الأخرى - فتطول المسامته عامة الفصول فيكثر الضوء لأجلها ويلح القيظ الشــديد عليهم وتسود جلودهم لإفراط الحر ... » وفي المقدمة الرابعة - في أثر الهواء في أخلاق البشر - يرى أن «من خلق السودان ( يقصد الســود أو الزنوج ) على العموم الخفــة والطيش وكثرة الطرب - فنجدهم مولعين بالرقص على كل توقيع - موصوفين بالحمق في كل قطر»، ويفســر ذلك بأثر الهواء الحار على أمزجتهم وأرواحهم فتكون أسرع فرحا وسرورا وأكثر انبساطا، ويجيء الطيش على أثر هذه. آراء ابن خلدون في البيئة والصحة 37 الجمعيةالكويتيةلحمايةالبيئة 2022 ) - يونيو 445 العدد (

RkJQdWJsaXNoZXIy MTgzNg==