445

بعكس ذلك المناطق الباردة كأهل فاس في المغرب إذ « تری أهلها مطرقين إطراق الحزن - وكيف افرطوا في نظر العواقب حتى أن الرجل منهم ليدخر قوت سنتين من حبوب الحنطة ويباكر الأسواق لشراء قوته اليومي مخافة أن يرز أشــياء من مدخره ، وتتبــع ذلك في الأقاليم والبلدان تجد في الأخلاق أثرا من کیفیات الهواء »، وينكر 896 إنكارة تامة آراء المؤرخ المسعودي ( ) في تفسير السبب في صفة السودان 957 – وطيشــهم وكثرة الطرب فيهم - وإرجاع ذلك إلى ضعف أدمغتهم وما نشأ عنه من ضعــف عقولهم - ويــرى ابن خلدون أن هذا كلام لا محصل له ولا برهان فيه. وفي المقدمة الخامســة من الفصل الأول يدرس اختلاف أحوال العمران في الخصب والجوع وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبــدان البشــر وأخلاقهم ويــرى أن أهل المناطق المقفرة الذيــن يفتقدون الحبوب والغذاء الجيد « أحسن حالا في أجسامهم وأخلاقهم من أهل السهول المنغمسين في العيــش - فألوانهم أصفــى وأبدانهم أنقى وأشكالهم أنتم وأحسن و أخلاقهم أبعد من الانحراف وأذهانهــم أثقب في المعارف والإدراكات ،.. والسبب في ذلك أن كثرة الأغذية ورطوباتها تولد في الجسم فضلات رديئة ينشــأ عنها كثرة الأخلاط الفاســدة العفنة ، ويتبع ذلك انکساف الألوان و قبح الأشكال، وتغطي الرطوبات على الأذهان والأفكار بما يصعد إلى الدماغ من أبخرتها الرديئة فتجيء البلادة والغفلة والانحراف عن الاعتدال ... » ولذلك « فإننا نجد أهل الأقاليم المخصبــة العيش الكثيرة الزرع والضــرع والأدم والفواكه ينصف أهلها غالبا بالبلادة في أذهانهم والخشــونة في أجسامهم .. ». وقد لا نوافق ابن خلدون في الوقت الحاضر علــى كثير من آرائه - ولكــن إذا تذكرنا الزمــن الذي كان يعيش فيــه، والمدارك والمعارف الجغرافية والبشرية التي كانت سائدة في ذلك الوقت لأدركنا مدى الجهد الــذي بذله ابن خلدون في الربط بين هذه النواحي الاجتماعية والبشرية - وبين البيئة الطبيعية - وخاصة المناخ، ولعل أحسن ما في مقدمته فلسفته للتاريخ واستخلاص قواعده من دراسته للاحداث التاريخية - وخاصة في العصور الإسلامية. وفي دراسته لحياة البدو والحضر وفــي المقارنة بينهما في تاريخ النشأة وفي اختلاف الأخلاق والطباع والعادات والتقاليد الاجتماعية وما إليها . الجامعة المستنصرة اهتم العالم ابن خلدون بموضوع العلاقة بين الإنسان والبيئة من حوله اهتماماً واضحا إلى حد “ أعتبــر البيئة الجغرافية داعمة مهمة لمختلف الظواهر الاجتماعية “ وبسبب تأكيده على الأثر الفعال والمحفز للعوامل البيئية على العوامل الثقافية في المراحل الأولية للاجتماع البشري وإظهار التفاعل والتداخل بين النوعين من العوامل في المراحل العمرانية والإنشائية لهذا الاجتماع، فأنه قريب في آراءه من العلماء المحدثين في علم البيئة الثقافية. ويمكن توضيح وإبراز آراؤه من خلال الاتي: مفهوم البيئة يــدل مفهوم البيئة عنــد العالم على مكان تتوفر فيه إمكانيات معينة والإنسان وحده هو المهيأ للاســتفادة من هذه الإمكانيات البيئة في التراث اهتم العالم ابن خلدون بموضوع العلاقة بين الإنسان والبيئة من حوله اهتماماً واضحا 38 2022 ) - يونيو 445 العدد ( الجمعيةالكويتيةلحمايةالبيئة

RkJQdWJsaXNoZXIy MTgzNg==