445

وأحداث التغيرات فيها بحسب ماتقتضيه ظروفــه ومتطلباته فــي المعاش (الحياة) والعمران البشري. فالإنسان يمكن أن يستفيد مــن الأرض بزراعتها، أو يكتفي برعي الحيوانات فيها، أو يقيم عليها المدن. وتأخذ البيئــة عند ابن خلدون أوصافاً عده تعبر عــن خاصية كل نــوع منها. فهو يتحدث عن المعمور من الأرض والسهول والتلال والرمال للدلالة على الخصائص الطبيعية لها. وعندما يود تأكيد أثر المناخ كعامل بيئي على أساليب المعيشة للإنسان يتحدث عن المعتدل والمتطرف من الأقاليم. ومكونات البيئــة في رأيه مترابطة محكمة الترتيب “أننا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات الحية كلها على هيئة من الترتيب والأحكام وربط الأسباب بالمسببات واتصال الأكوان بالأكوان “ وهو يقدم لذلك مثالاً على المستوى الكوني يتماشى مع الرأي التبيؤي بأن الكره الأرضية في مجموعها تؤلف نسقاً تبيئوياً متكاملاً بما فيها عناصر مادية ومكونات حية نباتية وحيوانية وبشرية. الحتمية البيئية (دور البيئة) لعلــه يرفــض الزعــم القائل بــأن اللون الأســود والداكن المميز لسكان المناطق شديدة الحرارة يرجع إلى أنهم ينحدرون من نسل حام بن نوح، والذي اتصف بهذا اللــون، ولعل ذلك ما عانى منه لأنه يأخذ بالتفسير والتعليل المتمشي مع المعطيات والنظريات السائدة في عصره. أن تأثير البيئات المعتدلة والمتطرفة على ســكانها لا يقتصــر على الصفــات العضوية فقط وإنمــا يمتد كذلك إلــى كثير من الصفات المزاجية والثقافية، فأهالي الأقاليم المعتدلة هم “أعدل أجساما وألوانا وأخلاقا واديانا، “أما أهالي الأقاليم المتطرفة فأنهم” يبعدون عن الإنسانية بمقدار بعدهم عن الاعتدال البيئي”. ومما يؤكد إثر البيئة على سكانها في رأيه أن السود من أهل الجنوب لو أستوطن بعضهم في المناطق المعتدلة فأن الأجيال التالية والقادمة من ذريتهم لا بد أن تطرأ عليهم تغيرات تتناسب مع البيئة الجديدة. “وقد نجد من الســودان أهل الجنوب من يسكن الربع المعتدل فتبيض ألوان أعقابهم” فالســمات يمكن أن تتغير جيلاً بعد جيل، كما أن الســمات الثقافيــة يمكن أن تتغير كذلك بالاحتكاك الثقافي بين سكان المناطق المختلفة. ويقول “وأما الأقاليم البعيدة عن الاعتــدال (عامل بيئــي) فأهلها ابعد من الاعتدال في جميع أحوالهم” (نتيجة ثقافية). فالحتمية البيئية عنده ليســت تلك الحتمية الصارمة التي نجدها عند مونتســكيو بعد ذلك بأربع قرون والتي حاول من خلالها تفســير نظام تعــدد الزوجات عن طريق العامل المناخي وحده. والحتمية البيئية هنا لا تعبر عن نفسها بوضوح ألا في نطاق المجتمعــات قبل العمرانية. أما في نطاق المجتمعات العمرانية ســواء كانت بدوية أم حضرية فأن الحتمية البيئية تأخذ شكلاً جديــدا يتاح فيه المجال لفاعلية الإنســان بقدراته المختلفة. ويؤكد أن مظاهر البيئة من مناخ ونبات وحيوان ورمال وأرض زراعية لا تحتم على الإنسان الاستمرار في أسلوب معين للحياة. والحتمية البيئية واضحة في عدة فصول من مقدمته مثل “ في المعتدل والمنحرف من الأقاليم وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم “ وفي “ إثر الهواء في أخلاق البشر الإنسان والبيئة وهو يؤكد على معنى الإنسان ككائن ثقافي أكثر من معناه ككائن عضوي، والإنسان يتميز عن الحيوان بسرعة تكيفه مع الظروف المحيطة به، ولا يفعل ذلك بدافع غريزي وإنما بأراده مقصودة، فإذا ظهرت الحاجة إلى القيادة مثلاً في جماعات الإنسان والنحل فأن المعنى يكون مختلف في الحالتين فهو لدى الإنسان يكون نتيجة العقل الذي تميز به عن الحيوان، أما لدى النحل فهو بطريق إلهامي. وعندما يتحقق الاجتماع الإنساني فانه يختلف عن التجمعات الحيوانية حتى وأن بدت احكم تنظيماً من الجماعات البشرية فالحيوان محدود في دوافعه وسلوكه بقيود الغريزة. ولهذا فأنه عندما يود التعبير عن ضعــف أثــر العوامل الثقافيــة في إحدى التجمعات البشــرية البسيطة فأنه يصفها بالحيوانية والبهيمية. وهذا لا يعني إخراجه من النطاق الآدمي (البشري) وإنما التأكيد على ضعف الطبائع والعادات التي تساعد على العمران. وخاصة النسق الديني الذي يعتبره أساسا في تحقيق التقدم الاجتماعي. المصادر: - تاريخ وحضارة المغرب depace – univ - eloued . dz - موقع - موقع اسلام اون لاين – uomustansiriyah . edu . iq آراء ابن خلدون في البيئة والصحة 39 الجمعيةالكويتيةلحمايةالبيئة 2022 ) - يونيو 445 العدد (

RkJQdWJsaXNoZXIy MTgzNg==