455

وصاة صياد روى لي هذه الوصاة مهندس مفضال لا يجهل ولا يتخيل، وقد عاش في جنوب الســودان حيناً من الدهر مشرفاً على النيل . ولولا الثقة به محافظاً ثم وزيراً، لاستشعرت حرجاً شــديداً في تدوينها للناس في هذا الكتاب : قال المهنــدس المفضال: أنبأني صائد متجول في الغابات جنوب السودان أن الأسد وزوجته قلما يفترقان ، فهما معا ، سائرين في الغابة أو رابضين في العرين . فإذا رأى الصائد هذين الزوجين في غابة صيد فليبدأ بقتل الأسدة فإن الأسد إذا رآها صريعة لم يزد على أن يتلفت ذات اليمين وذات الشــمال، ثم يمضي لطيته لا يلوي على شيء. ولكن الصائد إذا بدأ بقتل الأسد، فإن الأسدة لا تتركه حتى يقتلها أو تقتله. وأما الصورة الثانية فقد كانت في عام حين اســتجبنا دعوة كريمة من 1965 حكومــة الهند الصديقة للمشــاركة في الاحتفال بتنصيب سيدنا محمد برهان الدين سلطانا على طائفة البهرة . ولما انتهت الأحفال، هيأت لنا حكومة الهند برنامجاً لزيارة مختلف المراكز الصناعية والزراعية . وكان في ضمن هذا البرنامج رحلة في الغابات القريبة من (بومباي)، وأُخرى في الغابات البعيدة عنها. وكانت قد جرت عادة القوم هناك على سنة الرحلت هذه فكانوا يخرجون إلى الغابات للصيد والاستجمام فيصطادون الظباء والأيائل، وأحياناً قليلة يصطادون النمر الذي يطلقون عليه اسم الأسد. ولقد أذكر أننا التمسنا النمر أو الأسد ليلة كاملة ثم يوما كاملا في موكب من السيارات مع أبناء السلطان وإخوته ثم نعود من كل تلك الرحلات بأســوأ مما بخفي حنيــن، لأن العائد بخفي حنين عائد بشيء كيفما كان هذا يرجع بها الشــيء، فأما عودتنا نحن فقد كانت بتعب شديد و سهر طويل، وصبر على مشاق بالغة لا يدركها الوصف ولا يبلغها البيــان، وذلك أن للقــوم هناك طريقة رائعــة في صيد النمر أو ما يســمونه الأسد على الفرق بين الحيوانين شكلا وموضوعــا، فهم يعمــدون إلى أعلى شجرة في الغابة فيمهدون في رأسها بين الأغصان مجلساً مستوراً، لا يرى ما بداخله من قريب أو بعيد، على أن يكون المجلس ضيقاً لا يتسع لأكثر من ثلاثة أشخاص، يرتقون إلى ذلك المجلس بسلم بين الصعوبة شديد التعقيد. وقــد كنت أحد هــؤلاء الثلاثة ليلتين متواليتين دون طائل، على ما في البقاء في هذا المكان من مشقة لا يتصورها إلا من يتمثل أموراً: لا يسعل أو يعطس أو يتكلم أو يدخن ســيجاراً أو يتحرك فــي المكان حركة مهمــا تكن ضعيفة . فإن النمر دقيق الحس يشــم ويرى طرائفحول الصيد 21 الجمعيةالكويتيةلحمايةالبيئة 2023 ) - ابريل 455 العدد (

RkJQdWJsaXNoZXIy MTgzNg==