457
إعداد: ياسمين داود الشــراد تطرح الطبيعة ومكوناتها الكثير من الأفكار والفوائد والغرائب التي يمكن اســتغلالها والافــادة منها في خدمة البشــرية، ولعل من الظواهر الطبيعية الغريبة التي أمكن رصدها، توهج بعض الحيوانات ليلاً. تحدث الإضــاءة (التوهــج) الحيوية في كل المملكة الحيوانية وخارجها، ويمكن العثور في المحيط على مجموعة واسعة من الكائنات الحية التي تتوهج في الظلام، ولا تحدث هذه الظاهرة في موائل المياه العذبة. تعرف الحيوانات المضيئة بأنها كائنات تتمتع بقدرة خاصة على إصدار الضوء، وتحدث هذه الظاهرة عند العديد من الحيوانات، إذ تتواجــد في بعض أنــواع الحيوانات المضيئة: مــن البكتيريــا، والفطريات، والحشــرات، والأســماك، واللافقاريات البحريــة، بينما تفتقر أنــواع الحيوانات الأخرى لهــذه الانبعاثــات كالبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات، وتحدث هذه الظاهرة عادة نتيجة لتفاعلات كيميائية تقوم بتحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة مشعة مباشــرة، وتتمتع الظاهرة بأهمية كبيرة لدى الحيوانات الباعثة للضوء، إذ يمكن أن تساعدها الانبعاثات في الحماية من خلال إرباك الأعداء، أو لجذب الفرائس وتخويف الحيوانات المفترسة، وببساطة تســاعد الظاهرة في إنــارة الطريق أمام الكائن الحي في الظلام. ًحيوانات “تتوهج ليلاً” قدرات خاصة على إصدار الضوء لمحة تاريخية لقد سحرت الإضاءة الحيوية البشر لآلاف السنين، ويدل الفولكلور الشعبي للعديد من الثقافات على وجود مخلوقات حية تتوهج في الظلام، ولعل ذلك ما ورد في الثقافات الصينية والهندية والاسكندنافية، ونجد مثلا أن الفيلسوف اليوناني أرسطو ق.م) في القرن الرابع 384 - 322 ( ق.م قد ذكر”بعض الأشياء، على الرغم من أنها ليست نارية بطبيعتها، أو تنتمــي لأي نوع مــن النيران، إلا أنه يبدو أنها تنتج من الضوء”، وبالمثل خلال القــرن الأول الميــ دي، وثق الروماني م) الاكبر ما قد لاحظه، 23 - 79 بلينــي ( وذلك حينما أخــذ طين قناديل البحر من خليج نابولي وفركه على عصاه فأضاء كالشعلة. قبل تطوير مصباح الامان (مصباح ديفي) لاستخدامه في مناجم الفحم، استخدمت جلود الأســماك المجففة في بريطانيا وأوروبا كمصــدر للضوء الضعيف، وتجنب هذا الشــكل التجريبي من الإضاءة ضرورة استخدام الشموع التي من الممكن أن تتسبب في إحداث انفجارات كبيرة، وبرز هناك مصــدر آمن آخر للإضــاءة في المناجم وهو الزجاجات (القوارير) التي تحتوي على حشرات اليراعات. ، نشــر عالــم الجيوان 1920 وفــي عام دراســة E . N . Harvey الأمريكي هارفي بعنوان “طبيعة الضوء الحيواني”، يلخص العمل المبكــر في الإضاءة الحيوية، فقد لاحــظ هارفي أن أرســطو ذكر الضوء الناتج عن الأســماك الميتــة واللحم وأنه م)، في Pilnius ( 23 - 79 وبليني الأكبر - موسوعته التاريخ الطبيعي، ذكروا انبعاث الضوء من الخشب الرطب. م) 1627 - 1691 يسجل أن روبرت بويل ( قام بتجربة هذه المصادر الضوئية، وأظهر أن كليهما بالإضافة إلى الدودة المتوهجة تتطلبان الهواء لإنتاج الضوء. لاحظ هارفي ، حدد العالم بيكر سوطيات 1753 أنه في عام كحيوان مضيئ، noctilucales مضيئة الظلام 1854 أو مرئية للعين المجردة، وفي عام ) شرائط (خيوط) 1813 - 1871 حدد هيلر ( مكن الفطريات على أنه مصدر للضوء في الخشب الميت. وقد لاحظ العالم داروين ) الإضاءة الحيوية في البحار، 1809 - 1882 ( وأشار إليها في مصنفته العلمية، وكتب: “أثناء الإبحار فــي خطوط اعلرض في إحدى الليالي حالكــة الظلمة، قدم البحر مشــهداً رائعاً وجميلاً، كان هناك نســيم عليل، ويبدو كل جزء من الســطح ينظر إليــه خلال النهار على أنه رغوة، توهج بضوء خافت. أبحر المركب قبل أن يجتاز موجتين من الفسفور السائل، وفي أعقابها تبعها أثر حليبي. وبقدر ما وصلت العين، كانت قمة كل موجة مشرقة، وكانت السماء فوق الأفــق ، من خلال الوهج المنعكس من هذا اللهب الغاضب، لم يكن غامضاً تماماً، مثل بقية السماوات. كما ولاحظ داروين أيضاً أن قناديل البحر ، وأشار إلى أنه Dionay المضيئة من نوع “ حينمــا تلمع الأمواج بالبريق الأخضر اللامــع، فقد اعتقد أن هــذا يعود عموماً إلى قشــريات دقيقة، لكن لا يمكن الشك أن العديد من الحيوانات البحرية، عندما تكــون على قيد الحياة ، تتألق من خلال امتصاص الإشعاع”. وقد افترض أن “الحالة الكهربائية المضطربة للغلاف الجوي” ربما كان هي المســؤولة عن ذلك، ويبدو أن داروين” كان محظوظاً بمعظم افتراضاته، لكن ليس هنا”، مشــيراً إلى أن الكيمياء الحيويــة كانت غير معروفة كثيراً، وأن التطور المعقد للحيوانات البحرية المعنية كان غير جلي، وقد جذبت الظاهرة انتباه قوات بحيرة الواليات المتحدة في الحرب الباردة، لأن الغواصات في بعض المياه يمكن أن تخلق أثرا ساطعا في المياه بما يكفــي ليتم اكتشــافها، وحدث أن غرقت غواصة ألمانية في الحرب العالمية الأولى )، بعــد أن اكتشــفت بهذه 1914 - 1918 ( الطريقة وكانت القــوات البحرية مهتمة لمعرفة موعد أن يصبح هذا الكشف ممكناً، وبالتالي توجيــه الغواصات الخاصة به لتجنب اكتشافها. وكما لاحظ أرسطو نفسه، فإن التوهج الحيوي هو “ضوء بارد”، مما يعني أنه بخلاف التوهج الذي تنتجه المصابيح الكهربائية، والذي ينتج أيضاً طاقة حرارية مهدرة، فإن تفاعل التوهج الحيوي فعال بنســبة ، وينتــج عنه قدر ضئيل 100% تقــارب جدا من الحرارة. 1849 عمل الصيدلاني الفرنسي دوبوا (- تعرف الحيوانات المضيئة بأنها كائنات تتمتع بقدرة خاصة على إصدار الضوء، وتحدث هذه الظاهرة عند العديد من الحيوانات 20 21 2023 ) - يونيو 457 العدد ( الجمعيةالكويتيةلحمايةالبيئة الجمعيةالكويتيةلحمايةالبيئة 2023 ) - يونيو 457 العدد ( عالم الحيوان
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTgzNg==